بحث

20/07/2014

قرار الحكم لا يناقش


      


منذ الصغر..ونحن نشاهد مبارايات كرة القدم..
ولم يكن ذلك اختيارا من لدنا..بل كنا مجبرين على ذلك..
فقد جئنا إلى هذا العالم..فـوجدنا أن أهم معيار جالب للإحترام عند فئة الذكـور..
هـو إتقانك لركل الكرة بالرجل..وإلمامك بكل ما يمت بِصلة لطقـوس عبادة كرة القدم..
فكان ولايزال من غير الممكن أن يتزعم عصابة* الأطفال سـوى أحد شخصين:
طفل يتقن لعب الكرة ويعرف كل شيء عن الفرق واللاعبين ونتائج المباريات..
أو طفل عنيف..قـوي العضلات..
وأثناء مشاهدتنا لتلك المباريات..اعتادت آذاننا سماع عبارة: "قرار الحَكم لا يناقش"..
كصغار آنذاك..كان من السهل ترسيخ هذا المفهـوم في أعماق عقلنا الباطن..
ففُرض علينا هذا المعتقد عنـوة كما فرضت علينا كرة القدم.. 
وسلّمنا به قاعدة تـوقفت عقـولنا عن مناقشة أساسها ومدى صلاحيتها..

لكن مع الـوقت..ومع تسلقنا لسلم التعليم الثانـوي..
بدأنا دراسة المنطق..ودلنا أساتذة الفلسفة المستنيرين على الشك الديكارتي..
فبدانا نطرح تساؤلات عميقة جعلتنا نناقش ونعيد النظر في كل شيء..
في منهاجيات أبائنا وطريقة عشيهم..في معتقدات ديننا الطاهر وتعاليمه..
في شرع الله وأحكامه..في تقاليد أجدادنا ومقدساتهم..في كل شيء..
لم ندع أي شيء جميل وأصيل إلا وانتقدناه وأعدنا فيه النظر..وتخلينا عنه..
باسم المنطق والتحرر الفكري..
إلا قرار الحَكم..فقد ظل كما هـو مقدسا..لا يناقش!!

إنتظرنا عقـودا حتى اخترقت التكنـولـوجيا ميدان الرياضة..
فشاهدنا الحكم..ذلك المخلـوق الناقص..وقد غدا يحمل من أجهزة الإتصال المتطورة..
ما يمكنّه من التـواصل مع المحطات الفضائية وليس فقط مع لجنة التحكيم التي تراقب المباراة..
وامتلأ الملعب بعشرات الكاميرات التي تؤطر بعدساتها كل زاوية صغيرة وكبيرة في رقعة الملعب..
بحيث أصبح بـوسع تلك اللجنة أن تصحح بعض قرارات الحَكم الخاطئة..
وأن تكمّل نقصه بالمعلـومات التي تحصل عليها من خلال عدسات الكاميرا..
لكن الغريب العجيب..أن قرار الحكم الخاطئ ظل ولايزال فـوق كل اعتبار..
قرارا لارجعة فيه..قرارا لا يناقش!!

وأغرب وأعجب من ذلك..أن ترى جمـوع الناس صغيرهم وكبيرهم..مسلميهم وعلمانييهم..
يجدون أن هذا الأمر طبيعي لا خلل فيه ولا تقصير..ويقبلنـوه دون تفكير..
وفي نفس الوقت لا يجدون حرجا في مناقشة أحكام الله ومراجعتها بل والطعن فيها..
فكيف يعقل ذلك؟
يقاد للسجن من سب الزعيم ومن *** سـب الإله فإن النـاس أحـرار
إذا رجعنا إلى معجم المعاني..سنجد أن الحَكم هـو كل شخص يتم اختياره للفصل بين متنازعين.
وقد يتبادر إلى ذهنك فكرة أن الحكم إسم من أسماء الله الحسنى..
فتعتقد بناء على ذلك أن هذا الإسم من المفروض ألا يطلق على أي أحد من البشر..
لكن ألم يقل الله تعالى في سـورة النساء:

وَإِنْ خِفْتُم شِقَاقَ بَيْنَهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا
النساء 35
فالتسمية إذا ليست مشكلا في حد ذاتها..
المشكل يكمن في التناقض الرهيب الذي يظهره الناس في تعاملهم مع كلا الحكمين:
فمن جهة..نلاحظ إذعانا عجيبا للقرارات الجائرة للحَكم البشري..
رغم وجـود الحجج والبراهين الدالة على خطئه وإمكانية تصحيحهها..
فيتم قبـول أحكامه المبنية على هذه القرارات والنتائج المترتبة عنها..
دون جدل أو نقاش..

وفي الجهة الأخرى..
نجد أن نفس المذعنين (خصـوصا المسلمين) الذين ينصاعـون للحَكم البشري ولأحكامه ..
يتجرأون كل الجرأة على الـوقـوع في حدود الله..واقتراف ما نهى عنه..
ولا يجدون في صدورهم ذرة خوف من مناقشة جدوى أحكامه والطعن فيها..
ونعتها بالمنتهية الصلاحية التي أكل عليها الدهر وشرب..
رغم عِلمهم أن الله هـو الذي خلقهم وهـو أدرى بهم وبما ينفهم..
وأنه هـو الحكم العدل الذي يريد بهم اليسر..
وأنه لا يظلم مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء..
وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ۚ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ                                                   الزُّمر 67
إن وجـود وقبـول تناقض صارخ كهذا لدى البشر في تصرفاتهم وحياتهم..
لا يمكن أن يكـون إلا نتيجة خلل خطير في عقـولهم..
فمثل هذه التصرفات اللاواعية المتناقضة..لا تصدر إلا من طرف أشخاص نائمـين..
أو مُنَـوّمـين يتحركـون تحت تأثير التخذير وستجيبـون لأوامر منـوميهم..
وبالكاد هم يبصرون..

والحقيقة أنهم كذلك..فقد تم تخذير البشرية بحُقن "المنطق" في عقـولها..
حُقن..جعلتهم يدخلـون في شبه غيبـوبة دائمة..
تجعل مخذِّريهم قادرين على تحريك جـوارحهم كما تحرك دمى الكراكيز..
وتم كذلك زرع غشاوة التفكير الحداثي الأحادي الذي ينفي ما دونه من طرق التفكير على أعينهم..
فلا يرون صحيحا إلا ما يمليه عليهم منطق ذلك التفكير..

يبدو أننا جميعنا خضعنا لتجربة مشاهد فيلم بداية..
وأننا الآن نعيش فصـول واقع النهاية..

إنتهى..


أدعوك لقراءة هذا التقرير المقتضب عن ظاهرة غيبوبة الصراصير

----------
*العصابة لغة المجمـوعة من الأشخاص

0 تعليقات :