بحث

04/08/2014

سلسلة جرائم أمريكا :1 - مذبحة ساند كريك







تعتبر مذبحة ساند كريك في حق قبائل الشايان والأراباهو العريقة، إحدى أبشع الجرائم المروعة التي عرفها تاريخ الولايات المتحدة  الأمريكية الأسود، والتي كان زعيمها العقيد جون شيفينتون وجنوده.
 
وقعت هذه المذبحة بولاية كولورادو بمحاذاة مدينة دينفر، حين أقبل 6 من شيوخ قبائل هنود الشايان والأراباهو العريقة من أجل التفاوض قصد توقيع معاهدة سلام مع البيض المستوطنين.

بعد تطور الصراع بين الهنود الحمر، السكان الأصليين للقارة الأمريكية، وبين المستوطين البيض الذين قدموا من أوربا واستولوا على أراضيهم، قام أكبر شيوخ قبائل الشايان، الزعيم السلمي الإبريق الأسود، بإقناع باقي شيوخ قبائل الشايان والأرباهو بالتهدئة وبالمبادرة السلمية التي من شأنها أن تمكن شعوبهم من العيش في سلام في جبال وغابات الكولورادو. 
  
                                                
                                                     الزعيم المسالم الإبريق الأسود

وكانت تلك القبائل قد ثارت غاضبة بعد أن قتلت كثيبة من الجنود الأمريكيين البيض، الزعيمَ الهندي الدب الجائع الذي قلّده الرئيس الأمريكي أبراهام لينكولن بمدالية فخرية مكافأة له على جهوده السلمية. وتم قتله بدم بارد من طرف الملازم جورج آير وكثيبته حين تقدم إليهم بمفرده على فرسه، فقام 84 جندي معهم آير بتفريغ بنادقهم في جسده بدون أدنى سبب وبدون سابق إنذار.
 
لكن الزعيم الإبريق الأسود تمكن من الحصول على موافقة أغلب شيوخ القبائل على الحل السلمي، فقام بقيادة جميع أفراد تلك القبائل للتفاوض سلميا مع محافظ كولورادو. ولم يتخلف عن ذلك المسير سوى مقاتلو جنود الكلب، وهم شباب محارب من قبائل الشايان لا يثقون في وعود الرجل الأبيض. 
بعد تفاوض زعماء القبائل مع محافظ منطقة كولورادو جون أيفنز ومع العقيد شيفينتون بوساطة من نيد وينكوب قائد حصن ليون آنذاك..تم إخبارهم بنقل مخيمهم إلى منطقة نهر ساند كريك، فاعتبر الإبريق الأسود أن جهوده السلمية قد تكللت بالنجاح..وأن تخلّي قبائله عن مساحات كبيرة من أراضي أجدادهما ستجعلهم يعيشون بسلام في المنطقة التي سيتم الإتفاق على حدودها وتخصيصها لهم..
 
في صبيحة 29 نونبر من عام 1864، أستيقظ الهنود الحمر في مخيمهم، الذي كان يحتوي على أزيد من 100 خيمة فيها نساؤهم وأطفالهم وعجزتهم، على أصوات خيالة جيش الكولونيل شيفينتون.ولم يلبث أن طوق المخيم من كل الجهات.
 
تفاجأ الهنود بوجود جنود البيض ومحاصرتهم للمخيم. فقام الزعيم الإبريق الأسود باستخراج العلم الأمريكي الذي كان أعطاه إياه كرين وود، مبعوث واشنطن المكلف بقضايا الهنود، والذي أخبره أن رفع العلم الأمريكي في مخيمه يجعله في مأمن من أي هجوم من طرف الجنود الأمريكيين.
 
لكن هيهات. ماهي إلى دقائق معدودة حتى أعطى الجبان شيفينتون أوامره لجنوده بالتقدم نحو الخيام وإطلاق النار وإبادة جميع الهنود بدون استثناء. 
                                  
                                                      رسم مقارب لواقعة ساند كريك


إنهال الرصاص من كل اتجاه على شعب الهنود العزّل، ولم يكن لهم حينها أي مناص. وقام الجنود الهمجيين بإطلاق النار على النساء والأطفال والشيوخ..ولم يكتفوا بذلك، بل قاموا باغتصاب النساء والفتيات، ثم بقروا بطون النساء، خصوصا الحوامل، وذبحوا الأطفال ولم يرحموا توسلاتهم، وقاموا بإضرام النار في الخيام، والتمثيل بأجساد الهنود الأبرياء. جذعوا أنوفهم، وبتروا آذانهم، وقطعوا أنهاد النساء، وأعضاء الرجال التناسلية، وقاموا بتعليقها على صدورهم وعلى حواف بنادقهم. وعادوا بها محتفلين ومفتخرين بأنتصارهم على تلك القلة من الهنود المسالمين.
أسفرت تلك المذبحة البشعة عن مقتل ما يناهز 600 من هنود قبائل الشايان والأرباهو، جلّهم نساء وأطفال وعجزة، وذلك بشهادة شيفينتون بنفسه. وقد وثق مشاهد هذه الجريمة البشعة كلا من الكابتن سيلاس ساول، وروبيرت بينت، أحد المقربين لوليام بينت الذي كان متزوجا بأمرة هندية وله منها أطفال.

                                                 
                                                          الجبان جون شيفينتون


ويجدر بالذكر، أن 80 من مقاتلي الشايان الأشداء الذين اتبعوا الزعيم الإبريق الأسود إلى تخوم دينفر، لم يكونوا حاضرين أثناء وقوع تلك المذبحة المقرفة على يد الهمج الأمريكيين. إذ خرجوا لصيد البقر الوحشي "البيزون" في المناطق البعيدة استعدادا لفصل الشتاء، بعد أن أقنعهم الزعيم أنه حصل على وعود بعقد السلام بينه وبين المستوطنين البيض.

كما أن الكابتن ساول الذي وثق مشاهد هذه الجريمة البشعة، كان من ضمن جيش شيفينتون. لكنه رفض الإنصياع لأوامره بإطلاق النار، ونهى الجنود التابعين له عن إطلاق النار. وتم استدعاؤه بعد ذلك للشهادة ضد شيفينتون أمام لجنة قضائية تم تشكيلها في واشنطن. إلا أن المسكين تم اغتياله في وضح النهار من طرف أحد الجنود الذين شاركوا في تلك الجريمة، فأفلت شيفينتون من العقاب.
                                                
                                                      الكابتن الشجاع سيلاس ساول


قد تظهر هذه المذبحة* من أول وهلة كجريمة استثنائية  يتحمل فيها المسؤولية شيفينتون وجنوده.
إلا أن التاريخ والوقائع تبرهن أن التطهير العرقي الذي تعرض له الهنود الحمر في القارة "الجديدة" بعد استقلال أمريكا كان له أسباب أخرى. 

فقد وقعت الولايات المتحدة مع زعماء قبائل الهنود الحمر معاهدة حصن لارامي سنة 1851، اعترفت حكومتها بموجبها أن مساحات شاسعة تشمل الأراضي الواقعة بين نورث بلات وأركنساس، وتمتد من الشرق من جبال روكي إلى غرب كنساس، كلها ملك لقبائل الهنود الحمر.

إلا أن اكتشاف الذهب في تلك المناطق غيّر نوايا الحكومة الأمريكية فقررت إعادة التفاوض مع القبائل من أجل ضم مساحات شاسعة من أراضيهم. وبالموازاة مع ذلك، ظهرت موجة نزوح ضخمة للأمريكيين بدأت عام 1858 في اتجاه الغرب بحثا على الذهب، دشنوا معها ما سمي ب "فتح الغرب". 
وفتح الغرب هذا، لم يكن سوى تصفية الهنود والقضاء عليهم والإستيلاء على أراضيهم. 

الهنود الحمر كانوا على علم مسبق بوجود الذهب في مناطقهم، إلا أنهم كانوا أغنياء في طريقة عيشهم البسيطة وتقديسهم للطبيعة، ولم يخلق بريق الذهب فيهم ذلك الجشع والطمع اللذان يسيطران في المجتمعات الغربية "المتحضرة". 

قياسا على هذه الواقعة الأليمة الموثقة تاريخيا، لك أن تتخيل حجم الجرائم الإنسانية والإبادة الجماعية التي قامت بها الولايات المتحدة الأمريكية منذ تأسيسها في حق الأمريكيين الحقيقيين: الهنود الحمر

الإحصائيات التقريبية تقول أن ما يقارب 13778000 من السكان الأصليين تمت إبادتهم بين القرن السادس عشر والقرن التاسع عشر، من طرف المهاجرين الأوروبيين الذي استوطنوا  القارة الجديدة. هذه الإبادة شملت القضاء على حضارات كانت قائمة وتدمير قرى عن آخرها وطمس هوية الهنود الحمر بشتى أطيافهم، وكان من أهم أسبابها الجشع والطمع في الحصول على المعادن النفيسة والأحجار الكريمة التي كان يملكها الهنود أو توجد في أراضيهم.

لم تتوقف جرائم الولايات المتحدة بعد ذلك الحين، بل تضاعف عطش مؤسسيها إلى الدم.
ولم تعد تكفيهم القارة الجديدة. هم يطمحون اليوم للإيستلاء على العالم.


يتبع..


--------------------------------
المصادر:
*الفيلم الأمريكي "الجندي الأزق" يعرض تفاصيل مذبحة ساند كريك والجرائم التي قام بها الجنود الهمج الأمريكيون.
ينصح بمشاهدة الكبار فقط لهذا الفيلم.

0 تعليقات :